حتى تستثمر المواهب
قد نستطيع القول بأن أكبر عقبة تواجه الإنسان في حياته هي عدم قدرته على اكتشاف طاقاته ومواهبه الكامنة في داخله، فتمر السنون والأيام، وبمرورها تموت وتذبل هذه الطاقات والمواهب، فيخسر الفرد والمجتمع معاً. وقد نستطيع القول بأن الفرد يمر بمراحل مفصلية مهمة في حياته يكون لها الأثر الأكبر في فقد المهارات والمواهب، إذ يقف فيها الفرد حائراً عاجزاً عن اتخاذ أي قرار، كالمدة التي يقف فيها الطالب بعد تخرجه من المرحلة الثانوية حيث يقف والحيرة والغموض يغمرانه أمام عدد كبير من التخصصات والمجالات، وما بين نصائح أبيه وأخيه وابن عمه تزداد الحيرة والغموض، ويبدأ يعيش حالة من الضياع والتيه، فلا يدري أيكون طبيباً كما وعد أمه؟ أم مهندساً كما أخبر أستاذه؟ أم طياراً كما قال لزملائه؟. وتزداد الأمور تعقيداً عندما يكون الطالب متفوقاً يجد نفسه في جميع التخصصات، ومستعداً لخوض التحدي في كل المجالات، فقد تخرج من المرحلة الثانوية بنفس مليئة بالحماسة والتطلعات، وتكون هذه الحماسة في كثير من الحالات مفرطة تحجب لديه الرؤية الواضحة لتحديد المسار الملائم لمهاراته وقدراته، فيسقط في الفخ. ومع مرور الوقت واقتراب موعد نهاية التسجيل في الجامعات تزداد الضغوط النفسية والاجتماعية لدى الطالب، وحينها تنعدم لديه الرؤية ويسلم أمره لله، فيلجأ إلى اتخاذ قرار عشوائي يكلفه الكثير من الوقت والجهد، ومع هذا القرار تبدأ رحلة الطالب الحقيقية في اكتشاف مهاراته وقدراته فما يلبث شهوراً قليلة في العملية التعليمية حتى يدرك أنه لا يتناسب إطلاقاً مع هذا التخصص، وفي بعض الحالات قد يستغرق الطالب سنين ليدرك ذاته، فتبدأ الرحلة العسيرة المكلفة من الانتقال من تخصص إلى تخصص، ومن جامعة إلى جامعة، ومع هذه التنقلات يتأثر كثيراً برنامجه الأكاديمي ويصبح عبئاً على الكلية، ومن ناحية أخرى قد يستمر الطالب في المسار الذي اختاره منذ البداية، فيكرس كل جهوده وأوقاته في محاولة إثبات نفسه على الرغم من فقدانه كل القدرات والمهارات التي يتطلبها هذا التخصص، فبمثل هذا الطالب لا ينتظر منه التفوق والإبداع والإبتكار، وإنما يكون مجرد رقم يكافح لأجل الحصول على الشهادة. إن كل هذه المتاهات والتخبطات التي تواجه الطلاب في مسيرتهم الجامعية تعزى بشكل أساسٍ إلى التعليم العام الذي يفتقر إلى أي برنامج أو نشاط يمكن من خلاله التعرف إلى طاقات الطلاب ومهاراتهم، بل إنه يجب على التعليم العام وضع هذا الهدف كأحد أهم أهداف منظومته التعليمية وأولية من أولوياته وأن يفعلها بشكل كبير ونشط، خاصة في المرحلة الثانوية، حتى يتخرج الطالب برؤية واضحة ووعي تام، وإدراك شامل لكل ما يطمح إليه من المجالات والتخصصات التي تتناسب مع قدراته. وبهذا يمكن إيقاف هدر الطاقات والمواهب واستثمارها بكفاءة، لينعكس إيجابا في خدمة دينهم ووطنهم